الثلاثاء 19 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

جبر شعت يكتب:

الأديب الراحل موسى أبو كرش عاش مندهشاً ومات مكفناً بالأسئلة

(قراءة في مجموعته القصصية هيلا هوب)

  • 01:47 AM

  • 2023-03-29

جبر شعت :

لم تكن الكتابة الجادة في يوم من الأيام نوعاً من الترف، ولم تكن غايتها التسلية والتسرية والاستعراض الأجوف، وإنما هي مسؤولية والتزام  والالتزام الذي أعنيه هنا  لا يُحيل إلى الفيلسوف الوجودي ” سارتر ” الذي طالب الناثر أن يلتزم به ، وأعفى الشاعر منه . وإنما الالتزام الذي يتولد من المسؤولية التي يحملها الكاتب كصخرة سيزيف. تلك المسؤولية التي تتشظى منها الأسئلة الكبرى حول الذات والمحيط والعالم والجدوى واللاجدوى.

سُقت هذه المقدمة الصغيرة؛ لتشكل مدخلاً لمجموعة موسى أبو كرش القصصية ( هيلا هوب ). وإذا أردت أن أرد هذه القصص إلى منابعها من حيث التكنيك فإنني أردها أولاً إلى تشيخوف ؛ فجل قصص المجموعة تركز على تصوير الجو وعلى التفاصيل الإنسانية الصغيرة الحميمة ، كما أنها تتميز بنهاياتها وقفلاتها القوية، بصرف النظر عما إذا كانت هذه النهايات مفتوحة أو مغلقة … وتلك مفردات تشيخوفية بامتياز . وثانياً أردها من حيث ثورية البناء إلى القاصة والروائية الفرنسية ذات الأصل الروسي ” ناتالي ساروت ” التي أخرجت القصة من جمودها التقليدي إلى فضائها الحداثي، فلم تعبأ بمحددات القصة التقليدية كالحدث والحبكة والشخصية البطلة / النموذج والعقدة والحل والنهايات الصارمة… والكاتب موسى أبو كرش نأى بفنه عن معظم تلك المحددات.

إن الكاتب الذي خفنا أن يتسلل إليه الصحفي وهو يكتب قصصه قد نجا من هذه المصيدة في كثير من قصصه ووقع في قليل منها، لاسيما تلك القصص الطويلة نسبياً وبعض القصيرة التي بدت كصور قلمية تناسب لغة الصحافة اليومية.

إن القاريء للمجموعة سيكتشف دون عناء كبير ذلك الطفل الصغير الذي يتفنن في الاختباء والاستتار داخل القصص ومرجع هذه العودة اللاواعية من قبل الكاتب إلى ينابيع الطفولة الحية التي لا تنضب والتي نلوذ بها كلما تقدم بنا العمر ، وتغولت علينا الهموم وحاصرتنا الأسئلة الوجودية الكبرى… وفي هذا السياق كان الكاتب حاذقاً وماكراً في آن حين كان يحاول أن يجيب عن طريق السخرية والتهكم، حتى أننا وجدنا بعض القصص وكأنها ملهاة سوداء مصغرة.

كما أن المرأة التي بدا حضورها طاغياً في المجموعة، بصور متعددة: المرأة المشتهاة، المرأة المتخيلة، المرأة المفقودة، المرأة الشبقة، المرأة المتطلبة، المرأة الوصولية، المرأة الأم… كانت ذات محمولات ينبغي للمتلقي الجيد أن يلتفت إليها وأن لا يخدعنه ذلك الوصف لها واللهاث خلفها ومطاردتها من قبل الكاتب… فتلك جميعاً وإن بدت أحياناً مباشرة ومقصودة تبقى مظاهر تطفو على سطح النص، لا تساعد على فكفكة المحمولات، ولا على النزول إلى العمق الذي لا نراه إلا أحد تجليات العقل الباطن/ اللاوعي بالمفهوم الفرو يدي الخالص.

إن اللجوء إلى الهامش واختيار شخصيات منه لتلعب دور البطولة الرئيس ، ينطوي على مدلولات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ، وعلى إدانة لواقع ظالم مظلم
( شخصية فقع والمجذوب والبائع الجوال الذي اختفى فجأة ،والصبي ذو الشعر الأحمر  وشخصية الحلاق الأعمش وأم اليسر في قصة هاهت وكاكت) كما أننا لايمكن أن نمر على الترميز المكثف في قصة الحمار الرفاس ( الحمار والجرو )
وكذلك على المرأة الأنيقة المتشحة بالسواد دائماً في قصة حصرم ، فضلاً عن العنوان نفسه بما يحمله من دلالة ( الحصرم ) دون أن نحمله على تلك المدلولات التي ذكرنا.

أظنني فيما سبق قد لامست شغاف الرؤيا التي انبنت عليها معظم قصص مجموعة هيلا هوب وسأحاول الآن ملامسة تكنيك البناء السردي الذي قامت عليه تلك القصص ، ولعل ملاحظتي الأولى هي: أن الكاتب  الذي قرأناه  شاعراً، وإن لم يشأ أن يكون كذلك، كما صرح مرة في شهادة أدبية له، لم يستطع أن يهرب من الشعر في مجموعته السردية هذه، ففي أسطر غير قليلة وجدناه يُسرب ماءً شعرياً، ويفرغ شحنة شعرية في سرده، ربما في محاولة منه بوعي أو من غير وعي لشعرنة السرد وهذه ثيمة ما بعد حداثية محمودة ومطلوبة.
والثانية  كانت حول تنوع الأساليب التي كانت بمثابة النابض الذي يكشف ويتحكم في آن بالنفس السردي هبوطاً وصعوداً وتردداً تبعاً لاختلاف الأحداث وتنوع المواقف التي تعالجها كل قصة.

والملاحظة الثالثة هي حول قدرة القاص على تكثيف اللحظة الزمنية والقبض على الحيز المكاني اللذين تدور فيهما الأحداث وتتحرك الشخصيات فتجده يسرد ويقول مايريد مثلا في زيارة خاطفة لمحل ملابس أو في مشوار سيارة قصير أو في إطلالة من شرفة منزله على الشارع .هنا يتحكم القاص في أبطاله، بعد أن يكسر نموذج البطولة التقليدي المتمثل في الأشخاص فنجده يقدم الأشياء للعب دور البطولة، الحمام، اللفافة، السحاب العشب، النظارة الحصرم الشارب، ويجعل من الزمان بطلاً تارة ومن المكان تارة أخرى.

* صدرت المجموعة عن وزارة الثقافة الجزائرية عام 2012 وعن دار الكلمة بغزة عام 2016 في طبعة ثانية.

 

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات